P
R
E
V
N
E
X
T

Agah Selçuk, left, at Galeri Non in Istanbul on September 21, 2010, was later attacked outside the venue by a group of assailants. Courtesy Baris Karakoç.

Visitors congregating outside Galeri Non before the venue was attacked by a group of assailants, on September 21, 2010. Courtesy Baris Karakoç.

اعتداء وحشي خلال افتتاح معارض في تركيا يكشف عن توترات اجتماعية شديدة

Turkey
Also available in:  Chinese  English

شهدت منطقة توفان في إسطنبول، والتي تقع بين طريق المشاة المزدحم “استقلال” في حي “بيوغلو” الثقافي ومنطقة الميناء في "كاراكوي"؛ مساء الحادي والعشرين من سبتمبر الماضي افتتاحاً جماعياً لأربعة صالات فنية، إيذاناً باستقبال موسم الخريف الثقافي، وتشارك الصالات الأربع وهي: “منفذ إسطنبول”، و"غاليري نون"، و"إليبسيس"، وصالتي “بي للأعمال الفنية” في “تظاهرة توفان للفنون”، وهو حدث نصف شهري تعاوني يشجع الفن المعاصر في المنطقة.

وكالعادة بدا الحدث مزدحماً بالجمهور الذي كان يخرج من أماكن العرض للتدخين والشرب وتبادل الحديث مع الأصدقاء على امتداد الرصيف بين صالات العرض، وفي حوالي الساعة الثامنة والنصف مساءً اقترب عدة رجال من أطراف الحشد المتجّمع خارج صالة “نون” طالبين منه الانصراف، لكن طلبهم قوبل بالتجاهل، وبعد مرور وقت قصير من المواجهة الكلامية دنت من الحشد مجموعة رجال يتراوح عددهم بين 40 و50، وكانوا مسلحين بالهراوات والزجاجات المكسورة وحبات البرتقال المجمدة ورشاشات الفلفل الحارقة، فأعقب ذلك حالة من الذعر التي انتقلت بسرعة إلى الصالات الأخرى، وبلغت ذروتها خارج صالة “منفذ اسطنبول”، وقد أصيب في الشجار الذي وقع خمسة أشخاص بإصابات بالغة، نقلوا على إثرها إلى مستشفيات المنطقة، ولولا تدخل موظفي الصالة الذين دفعوا ما أمكنهم من الجمهور إلى داخلها، وسحبهم نوافذ الحماية الحديدية إلى الأسفل، لزاد عدد المصابين، وزادت حدة الإصابات.

هرعت الصحافية المحلية لتغطية الحدث، وامتلأت العناوين الرئيسة في اليوم التالي بتكهنات مختلفة عن سلسلة تلك الأحداث الصادمة، في حين وصفت بعض التقارير الأولية الحادث بأنه نزاع طفيف على الرصيف بسبب تعطيل الجمهور حركة مرور المشاة، ووسم آخرون توفان بمجتمع فيه شريحة كبيرة من المسلمين الأصوليين الذين ينزعجون بشدة من شرب الكحول العلني، والمرتبط بثقافة المعارض الفنية، فيما زعم البعض أيضاً أن رواد المعرض اعتدوا كلامياً على النساء المحجبات في وقت مبكر من ذلك المساء، الأمر الذي أثار حفيظة شباب المنطقة حال سماعهم ذلك.

وفي وقت لاحق صدر بيان رسمي موحّد وقَّعته “صالات عرض توفان وفنانوها وجمهورها الفني”، جاء فيه: (منذ فترة ونحن نشهد أعمال مجموعة محددة تهدف إلى عرقلة أمسيات صالات العرض والأحداث الفنية في توفان، وإلى خلق جو من الرعب، كما تتعرض الصالات بفنانيها وضيوفها باستمرار للمضايقات وللتهديدات، ونحن نعلم أن هذه الأفعال تُنفَّذ من قبل جماعة منظمة من خلال مواقع إلكترونية معينة، وبقيادة شخصيات محلية في المنطقة).

وتشهد توفان تحولاً حضرياً سريعاً بعد أن كانت منذ سنتين منطقة غير متطورة وذات أسعار معقولة، وإن بيوت المهاجرين من مدن شرق تركيا الأكثر فقراً مثل “سيرت” و"أرضروم" شاهدة على الطبقة العاملة التي شكلت عادة بنية المنطقة، ووفقاً لشهادات أصحاب محال في المنطقة فإن توفان كانت منذ زمن طويل مكاناً آمناً للعيش.

ومن جهة أخرى فإن الانزعاج الواضح في منتديات الحي على شبكة الإنترنت يشير إلى أن الكثير من السكان مستاؤون من التدفق الحالي للمطاعم والفنادق والمعارض في المنطقة، ويشعرون بالتهديد مما يرونه من آثار التطور الحضري الذي يؤثر على تكاليف المعيشة في المنطقة، وفي الثالث والعشرين من سبتمبر الماضي صرح “إيرهان ديميردزين” الرئيس السابق لـ “غرفة إسطنبول لمخططي المدن” لجريدة الحرية اليومية: (يشعر سكان توفان بالقلق من قدرتهم المستقبلية على البقاء في المنطقة)، وفي مقابلة تلفزيونية صرّح عثمان كوالى رئيس مجلس إدارة مبادرة “أناضولو كولتر” المدنية الثقافية ـ وهي منظمة مكرسة لتعزيز العلاقات بين النخب الحضرية المتمدنة وطبقة المحافظين المتدينين القرويين في تركيا ـ بأن أحداثاً أقل شأناً كانت قد حدثت من قبل، لكنها حُلَّت جميعها بالحوار، ومن دون اللجوء إلى المواجهة.

وحسب وسائل الإعلام فإن تقديم الكحول من قِبل صالات العرض هذه أصبح رمزاً لتوترات دينية وسياسية متصاعدة، ورأى البعض أن القلق ازداد خلال الاستقطاب الأخير بين المواطنين الأتراك عقب التصويت على استفتاء الثاني عشر من سبتمبر الماضي الذي مرّر حزمة تغييرات دستورية بموافقة 58%، وقد وُصِفت هذه التغييرات بأنها خطوة باتجاه ديموقرطية أوروبية الملامح فاقمت بسرعة الانقسامات الاجتماعية القائمة أصلاً بين الكماليين العلمانيين والإسلاميين المتدينين، أو ـ بشكل أوسع ـ بين جماعات تتبنى أساليب عيش مختلفة، وعلى الرغم من ذلك فإن هذا التحليل سيكون تبسيطاً للموضوع.

وفي الثاني والعشرين من سبتمبر الماضي اقتيد إلى الحجز سبعة أشخاص يشتبه بضلوعهم في الهجمات، ثم أطلق سراحهم بعد فترة وجيزة، فيما زار وزير الثقافة والسياحة “إرتغرل غوناي” منطقة توفان يوم الخميس، ودان الحادث الذي بدا محرجاً بشدة لإسطنبول، خصوصاً وأنه وقع بنفس العام الذي تكرمت فيه المدينة كـ “عاصمة أوروبا الثقافية”، وقد شدّد “غوناي” على أنه لا تهاون في موضوع العنف الجسدي أيا كانت دوافعه، وطمأن المجتمع بأنه سيقود شخصياً تحقيقاً جدياً لمعرفة منظمي ومرتكبي ذلك الهجوم.

ولاحقاً قامت صالتي عرض “نون” و"منفذ إسطنبول" بإصلاح الأضرار الطفيفة التي لحقت بالأجزاء الخارجية منهما، ثم فتحتا أبوابهما ثانية للجمهور الذي صرَّح أنه لا يقل انتماء لتوفان عن أي شخص آخر، في حين نُقل عن آخرين من أصحاب صالات العرض في المنطقة أن السكان المحليين يعبِّرون لهم عن تضامنهم معهم حتى وإن لم يدخلوا الصالات، ويشاهدوا معروضاتها، وجاء في جزء من بيان صالات العرض آنفة الذكر: (كانت لدينا دائماً علاقة متينة مع جميع جيراننا، الأطفال والآباء وأصحاب المشاريع التجارية)، وعلى الرغم من ذلك فإنه من الواضح أن لابد أن ينبع تواصلٌ أكثر فعالية من كلا الطرفين.

لكن الأهم من ذلك كله من الضروري الاعتراف بدور صالات العرض كأدوات للإحلال الطبقي، ففي ظل غياب سياسة ثقافية حكومية واضحة المعالم، أومشاريع حضرية مخططة جيداً في منطقة مكتظة بسكانٍ ذوي اختلافات كبيرة في المعتقد ومستوى التعليم والدخل، يكون لهذه الصالات دور حاسم عليها القيام به تجاه الثقافة التركية، الأمر الذي يرتِّب عليها مسؤولية جسيمة في هذا الوقت الذي يسير فيه البلد نحو الأمام

Ads
Honolulu Biennial E-flux Massimo de Carlo ACAW KUKJE GALLERY